مساهمات وأراءموضوع ساخن

لهذه الأسباب تتأخر الجزائر في تصدير المنتجات الفلاحية

يعد تنويع الصادرات خارج المحروقات من أهم التحديات التي تواجه الدول النفطية لاسيما الجزائر، حيث حتمت التقلبات التي تصيب هذا القطاع على الدولة العمل على إيجاد حلول من خلال اتخاذ كل الإجراءات والتدابير التي من شأنها تذليل العقبات والعراقيل البيروقراطية وتقديم كل التسهيلات اللازمة لفائدة المؤسسات المنتجة والمصدرة أمام تزايد الغموض حول مستقبل الاقتصاد الوطني المربوط بالمحروقات وأصبح البحث عن مصادر أخرى ضرورة ملحة وقضية محورية لاسيما تصدير المنتجات الفلاحية الذي تعتبره الحكومة خيارا استراتيجيا في إطار النموذج الاقتصادي الجديد.
أنتجت الجزائر في السنوات الأخيرة ما بين 25 و 30 مليار دولار سنويا من مختلف المنتجات الفلاحية وتصدر حوالي 100 مليون دولار وهي نسبة ضئيلة مقارنة مع رقم الإنتاج وتبقى الصادرات الفلاحية محتشمة على عكس دول الجوار فتونس تتربع على عرش الترتيب العالمي للدول المصدرة للتمر بأكثر من 120 ألف طن سنويا وزيت الزيتون بأكثر من 360 ألف طن و عائدات تفوق 700 مليون دولار من تصدير زيت الزيتون فقط بينما يصدرالمغرب ماقيمته 4 مليار دولار من المنتجات الزراعية والغذائية منها 1.8 مليار دولار سنويا محاصيل زراعية بالإضافة إلى مصر التي تحتل المرتبة السابعة عالميا في ترتيب الدول المصدرة للمحاصيل الزراعية بأكثر من 5 مليون طن بقيمة 2.3 مليار دولار دون حساب منتجات الصناعة الغذائية ، بينما تعاني الجزائر من صعوبات في التموقع في الأسواق الخارجية لعدة أسباب تجعل من المنتوج الجزائري يصدر بكميات قليلة و بطريقة مناسباتية طرحته خارج المنافسة الدولية .

ضعف الإمكانات اللوجستية و الإجراءات المالية من أهم العوائق

يرى رئيس التكتل الجزائري لخضر وفواكه التصدير السيد توفيق حدكحيل أن التصدير هو عبارة عن سلسلة من الإجراءات وأضعف حلقة في السلسلة هي الجانب اللوجستي، وأكد المتحدث في تصريح “للخبر” أنه لو يتم رفع المشاكل اللوجستية المتمثلة في النقل وأجهزة ومخابر التبريد سنتمكن من التقدم في مجال تصدير المنتجات الفلاحية وهو العائق الذي يمثل نسبة أكثر من 30% من تكلفة التصدير بينما يمثل 5% فقط من تصدير المنتوج الفلاحي الألماني و 9% من المنتوج الفلاحي الفرنسي و بذلك فتذليل عقبات النقل يكمن في العمل على خفض نسبة الجانب اللوجستي في تكلفة تصدير المنتج الفلاحي وأردف المتحدث قائلا إن النقل مرتفع جدا، حيث تبلغ تكلفة كراء حاوية مبردة ذات 40 قدم من الجزائر إلى مرسيليا 2000 أورو في وقت أن الحاوية سعرها 20 ألف أورو ، فثمن كراء 10 حاويات يمكننا من شراء حاوية بدل كرائها من الشركة الأجنبية المحتكرة للنقل البحري في الجزائر بالإضافة إلى ضعف النقل الجوي لضعف أسطول الجوية الجزائرية المخصص لشحن البضائع خاصة الخضر والفواكه وفي ذات السياق أكد حدكحيل أن الاحترافية والاستمرارية في المعاملة مع الزبائن الدوليين بالغة الأهمية، والاحترافية حسبه تتلخص في تصدير نفس المنتوج لنفس الزبون لأطول مدة ممكنة، ويرى رئيس التكتل في نفس السياق أن تصدير الخضر و الفواكه لديه هامش ربح ضيق وهامش مغامرة أوسع مقارنة بتصدير منتجات أخرى باعتبار المنتوج الفلاحي معرض للفساد و أسعاره متقاربة و معروفة عالميا.

غياب ثقافة التصدير لدى الفلاح يكبح التقدم

تصاعد الحديث مؤخرا عن تصدير المنتجات الفلاحية خاصة في أوساط الفلاحين لكن غياب ثقافة تصديرية وخبرات سابقة وتكوينات في الميدان يعد عائقا في طريق التصدير فالفلاح لازال لم يفهم أن التصدير ليس بيع منتوج لزبون أجنبي و إنما هو شراء نصيب من السوق الأجنبية ولنجاح هذه العملية وجب عليه المرور عبر عدة مسارات وإجراءات مسبقة تبدأ قبل سنة من عملية التصدير على الأقل من اختيار البذور والنوعية إلى غاية التوضيب و التعليب مرورا بكل المسار التقني للمنتوج لاسيما التربة والمعالجة الكيميائية والتسميد وفي هذا السياق أكد الخبير في التصدير السيد فيصل بن عمارة أن التكوين في هذا المجل هو السبيل الوحيد لتطوير التصدير فيجب أن يكون حجم المنتجات الموجهة للتصدير معروفا مسبقا وتبرم على أساسها عقود تصدير فيما يسمى بالزراعة التعاقدية بالإضافة إلى احترام معايير الجودة بمواصفات مقبولة دوليا مع ضرورة إرفاق المنتوج بشهادة جودة معتمدة ففي الجزائر يوجد فلاحين اثنين فقط يملكان شهادة جودة لدخول أسواق عالمية، ويضيف المصدّر الذي يسير مجموعة أبجديات التصدير على الفايسبوك لتكوين المصدّرين أن التصدير ليس كما يعتقد البعض بأن ينتظر وضع السوق المحلي أو يرى أنه له فائضا لكي يصدره متى وأينما يريد فالأسواق الخارجية لا تنتظر المنتوج الجزائري وحتى إفريقيا تطورت عكس ما يتصور البعض وللعلم، يضيف المتحدث، أن الجزائر لا تنتمي إلى مجموعة “إكواس” التي تضم دول غرب إفريقيا وتغزوها المغرب ولا سوق “كوميسا” التي تجمع دول شرق و جنوب إفريقيا وتضم مصر وتونس وهذا ما يصعب مهمة ولوج هذه الأسواق لذلك يؤكد بن عمارة أن غياب ثقافة تصدير سيبقينا متأخرين والحل يكمن في تكوين الفلاحين ومصدري المنتجات الفلاحية كما أكد أن عملية التصدير تتطلب مؤسسات مختصة تعمل على تسطير خطط وبرامج على المدى المتوسط والطويل بالاستعانة بخريجي معاهد التجارة واللغات الأجنبية حتى لا تصبح عملية التصدير مناسباتية و أشار الباحث في التصدير إلى إمكانية أخذ النموذج اللبناني في التصدير، فالمصدّر اللبناني لا يبحث عن زبون لمنتوجاته وإنما يبحث عن منتوج لزبائنه.

تعزيز دور الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية حلقة مفصلية

و يعتبر دور الدبلوماسية الاقتصادية محوريا وهاما في إشكالية تصدير المنتجات الفلاحية و كانت وزارة التجارة قد أعلنت في وقت سابق عن تبني إستراتيجية جزائرية تهدف إلى ترقية الصادرات ومرافقة المؤسسات الجزائرية في إجراءاتها الرامية إلى دخول الأسواق الأجنبية لكن الدبلوماسية الجزائرية منهمكة في القضايا التقليدية ولم تتمكن من تكييف أهدافها ووسائلها لتجعل من الرهان الاقتصادي أولوية بالقدر الكافي من خلال العلاقات الاقتصادية سواء كانت ثنائية أو دولية و إعطائها اهتماما اكبر.
وفي هذا الإطار كشف الخبير الاقتصادي و رئيس جمعية استشارات للتصدير السيد إسماعيل لالماس في حديث خص به الخبر” أن مشكل التصدير في الجزائر يتعلق بضعف الإستراتيجية المتّبعة وغياب خطة واضحة وإطار مسير لهذه التجارة الدولية المبنية على أساس إشراك كافة القطاعات المعنية في بناء الإستراتيجية ومنها وزارة الخارجية ويرى الخبير في التجارة الدولية أن تواجد ملحق اقتصادي مكوّن ومؤهل في السفارات الجزائرية في الخارج أصبح ضرورة ملحة من أجل مسايرة التطورات وقال إن دور الدبلوماسية الاقتصادية يكمن في التعريف بالعرض القابل للتصدير والأسواق المستهدفة بالإضافة إلى إفادة المتعاملين الجزائريين بالمعلومات حول الأسواق الخارجية ومعرفة الإمكانات المتوفرة لإيصال العرض إلى السوق الخارجية والترويج للمنتجات الفلاحية الجزائرية على مستوى بعثاتها الدبلوماسية وسفاراتها وقنصلياتها بالإضافة إلى هيئاتها المكلفة بالتعاون الاقتصادي الدولي.

جلال نكار

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. جزاك الله خيرًا على هذا المقال الرائع… طلبتُم من الفلّاح الجزائري أن يرفع التحدّي وينتج ففعل… الكُرة الآن في ملعبكم يا أيُّها المعنيُّون بالتصدير والترويج… أسواق الجملة في الخارج تزخر بمنتوجات كل الدول إلّا منتوجات بلادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *