مساهمات وأراء

فضيحة القمح الفاسد..ضغوط فرنسية ..أو خيانة داخلية ؟!

كتب الدكتور خرشي النوي

كميات القمح المستوردة من طرف الجزائر هي بحجم يسيل لعاب المصدّرين ويخلق صراع متعدد الأوجه بينهم تتدخل فيه حتى الايدي المخابراتية.
في موسم 2018/19 كانت الجزائر من أهم المستوردين في العالم (7,52 مليون طن) بعد مصر واندونيسيا والفلبين ، ولكن ليس هذا فقط ، بل إن القمح الفرنسي لا يجد سوقا أكبر من السوق الجزائرية إذ نستهلك ما بين 25٪ و 30 ٪ من منتوج فرنسا ، ويصل القمح الفرنسي ضمن ما نستهلكه من قمح الى 65٪ الى 68٪ .
كميات القمح التي نستوردها لا تعبر بالضرورة عما نستهلكه ، بل إن المضاربة بفعل دعم المنتوج تؤدي الى استيراد كميات أكبر من الاستهلاك ، ورغم انه تم تسقيف الاستيراد منذ سنوات قليلة الى حد 4 مليون طن ، الا أنه بلغ في السنة الموالية للتسقيف الى اكثر من 6 مليون طن مما يشي بضعف الٱليات المتخذة لمحاربة المضاربة وبقاء الفساد المالي الى اليوم .
بالنظر لهذه الكميات تُسيل طلبات العروض لعاب المنتجين لا سيما فرنسا ، وبمناسبة كل صفقة جزائرية تتأهب كل الدول إما لحماية نصيبها مثل ما هو الحال بالنسبة لفرنسا او للاستفادة من نصيب في للسوق الجزائرية مثلما هو شأن روسيا ودول مثل الارجنتين وغيرها.
دفتر الشروط المعد بشأن هذه الصفقات لعب منذ الاستقلال دورا هاما في توجيه الاختيار نحو القمح الفرنسي بالنظر لتشدده في مسألة النوعية ، مما يسمح للموِّن الفرنسي برفع السعر اعتقادا منه أن لا منافس له ضمن ما تشترطه دفاتر الاعباء الجزائرية.
محاولة مراجعة دفتر الشروط مؤخرا كانت بمثابة الصعق الكهربائي للمنتج الفرنسي الذي نشّط ادواته للابقاء على هذه السوق الهامة بالنسبة له .
من أجل ذلك يجب الأخذ بالحيطة والتروّي المعلومات المتعلقة باستيراد كميات فاسدة من القمح خارج القمح الفرنسي .
اولا لأن الاجراء الذي يتم به شراء القمح يتسلسل بطريقة لا يكون الرأي فيها أحادي لفائدة ديوان الحبوب ، بل هناك متدخلون كثيرون .
ثانيا ، يقع على المنتج أن يحترم دفتر الشروط ، واذا كان هناك عيب ما في النوعية ، فاما ان العيب في دفتر الشروط او أن تكون السلعة غير مطابقة لدفتر الشروط سواء لأنها في الأصل فاسدة او تعرضت لفساد أو لإفساد متعمد من أي جهة كانت قبل استلامها ،فان لجنة الاستلام ترفض استلام السلع وتعيدها للمنتج مع تطبيق عقوبات التأخر في التسليم ، وهو ما حدث مرارا في الجزائر ولو بصدد سلع أخرى .
ثالثا وأخيرا ، القمح الذي يشترى إنما يشترى لاستهلاك لاحق زمنيا وبالتالي ليس هناك أي ضرر في رفض الكميات غير المطابقة واشتراط كميات مطابقة بدلا عنها في أجل محدود .
الاحتمال الوحيد المتبقي هو ان تكون لجنة الاستلام متعددة الاطراف والتي تتشكل من ممثلي كثير من الوزارات تواطأت مع ممثلي الديوان والمخابر والجمارك وغيرها حتى دخل القمح غير الطابق وتمّ تسديد ثمنه وهذا أمر مستبعد ، وأبعد من احتمال صراع مخابراتي اقتصادي بين جهات متعددة داخلية وخارجية .
يبقى الحل في استغلال كل هكتار من أراضينا لزيادة المنتوج المحلي بعد التثبت من صلاحية البذور ، و رقابة قبلية ومسايرة ولاحقة لاجراءات الابرام المتعلقة بالسلع متذبذبة الاسعار والوفرة ، بطريقة تضمن تموين السوق بدون انقطاع وحماية معايير الشفافية .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *