حديث في الفلاحةمساهمات وأراءموضوع ساخن

جيجل ولاية فلاحية وإمكانات طبيعية.. بمشاكل بدائية!

جيجل ولاية ساحلية حباها الله بجمال أخاد يأسر اللباب، لوحة فسيفسائية تمتزج فيها زرقة الشواطئ باخضرار الجبال وبينهما تمتد على مرمى البصر سهول عذراء.

إمكانيات طبيعية زاخرة لا يمكن عدها ولا حصرها في هده الأسطر، بالرغم من عدم استغلالها استغلال أمثل، إلا أنها تبقى موردا هاما للأجيال القادمة ولكن ما يؤسف له، هو الفساد الممنهج الذي تتعرض له على مدار عقود من الزمن، فمن المناطق السياحة التي لم يبق منها إلا الاسم إلى الشواطئ التي نهبت رمالها وحتى الوديان لها نصيبها من السوء، فعلى سبيل الذكر لا الحصر وادي النيل الذي أصبح مصبا لمياه الصرف الصحي، هدا الواد ولمن لا يعرفه كان وإلى وقت ليس بعيد لا يخلو من الزوار للسباحة وحتى الصيد، المخجل أنه اصبح ممنوع الاستعمال حتى في الفلاحة (سقي الخضروات).

وبذكر الفلاحة التي تعتبر القلب النابض لهذه الولاية، رغم ما تعانيه في التسيير والتنظيم على المستوى المحلي والوطني والتقلبات التي عانت منها، بسبب ضعف العنصر البشري من جهة، واعتبارها كرهان سياسي وما صاحبه من قرارات عشوائية وارتجالية والاستعجالية في التنفيذ قبل عرضها على الخبراء والمختصين للتأكد من فعالية هده الإجراءات والقوانين.

فكباقي مناطق الوطن، لم تكن جيجل بمعزل عن هده القرارات التي اتخذت مند الاستقلال والتأثر بها خاصة قانون87/19.

هذا القانون، جاء في شكله لإعطاء حق الانتفاع الدائم للفلاحين لتحسين وضعيتهم الاجتماعية، وحافزا لمضاعفة الجهد والاستثمار، ما ينعكس آليا بالإيجاب على الفلاحة، لكن جوهر هدا القانون كان تملص  الدولة من أعباء التسيير واحتفاظها بحق التنظيم، لكن ولضعف الهيكل البشري (جميع المتدخلين في قطاع الفلاحة) وغموض بعض النصوص، دخلت جل المستثمرات الفلاحية في مشاكل وعلى عدة مستويات، (مع مستثمرة أخرى مع الإدارة بين أعضاء المستثمرة الواحدة)، هذه المشاكل وفي غياب  التنظيم أدت إلى تقسيم هذه الأراضي إلى قطع صغيرة، يصعب استثمارها والحفاظ على حالتها (بستان برتقال مساحته 2 هكتار مملوك لـ 8 اشخاص في نزاع).

هذه العوامل وفي تساهل غير مبرر من الإدارة، ساهمت في تقليص مساحة الحمضيات والكروم، زد على ذلك البيوت البلاستيكية التي عرفت انتشارا رهيبا بداية التسعينات، فرغم الأزمة الأمنية إلا أن الأرباح التي كانت تدر ها أعطت دفعا قويا للجميع للاستثمار فيها واستغناء الفلاحين عن الزراعات الأخرى.

هذه الفترة المزدهرة، تزامنت مع بداية ظهور النتائج الباهرة لتجربة زراعة الموز التي قامت بها التعاونية الفلاحية المختصة في تنمية الزراعات المحمية  (casdep ) وهي التعاونية الرائدة في هذه الزراعة، ساهمت في توسيع المساحات المزروعة في ظرف قياسي، لكن وعلى عكس التوقعات سرعان ما عرفت تشبعا بظهور مشاكل التسويق ومنافسة الموز المستورد، بسبب تكلفة الإنتاج العالية، معطيات عجلت بفشل هذه الزراعة وعودة الفلاحين لزراعة الخضر التي تعتبر أكثر أمنا،  ما جعل من جيجل ولاية نموذجية في زراعة الخضر في البيوت البلاستيكية ورائدة لسنوات عديدة.

هذه السنوات، تسمى عند الفلاحين سنوات الخير التي لم تدم طويلا بسبب دخول الانتهازيين مستغلين السياسات التي أقرتها الدولة للنهوض بقطاع الفلاحة.

بداية الألفية عرفت التفاتة الدولة لهذا القطاع الحساس، من خلال عدة سياسات أهمها دعم بعض الشعب الفلاحية والقروض من خلال  برامج  كناك وأونساج، هذه الأخيرة وكأنها برمجة خاصة لمعاقبة الفلاحين، فزيادة على التفاوت وسياسة الكيل بمكيالين التي اعتمدتها الدولة في منح هده القروض لأجل استقطاب وإدماج الشباب في الفلاحة، كانت سببا مباشرا في نقص اليد العاملة والمضاربة بأسعار السلع والمقتنيات التي عرفت زيادات غير مبررة.

وبالمقابل، تراجعت أسعار الخضر أمام صمت السلطات  على المستوى المحلي، (جيجل) التي لم تكلف نفسها تهيئة المكان الذي تباع فيه الخضر والفواكه،  تسميه مجازا سوق الخضر والفواكه بجيمار (إعلان مناقصة وطنية لكراء سوق الخضر والفواكه بجيمار) بسعر افتتاحي بأكثر من 500مليون، للإشارة هذا السوق غير مسيج إذ تتداخل اطرافه مع المدرسة والملعب، هذا المناخ أثر على نفسية الفلاحين، ما جعل البعض يترك الأرض مرغما ومنهم من وجد في زراعة الفراولة حلا عاجلا لهذه الوضعية.

هده الزراعة، ورغم غلاء البدور وأدوات الإنتاج إلا أنها تضمن هامش ربح لا بأس به، هذا ما يفسر توجه الفلاحين في السنوات الأخيرة  نحو هذه الزراعة، إذ أن جود جيجل في  المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج الفراولة خير دليل.

هذا المتنفس أعطى للبقية دفعا للاستمرار في زراعة الخضر، ما نتج عنه توازنا في المساحات المزروعة ومع ذلك يبقى السؤال مطروح،  لماذا لا يكون الاتجاه العام نحو الزراعات الاستراتيجية لضمان الأمن الغذائي للجزائريين باستغلال خصوصية كل منطقة لإنتاج خضر وفواكه بأسعار تنافسية، ترضي المنتج والمستهلك على حد سواء ولما لا التوجه نحو التصدير.

كمال بوقصة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *