
“بالصور” الجبنة السويسرية.. بأيادي و ألبان جزائرية…أبهرت سفراء أوروبا!!
أثناء مكوثه في الريف السويسري، تعلم رشيد أسرار صناعة الجبن السويسري التقليدي، ثم أبى إلا أن ينقل خبراته إلى وطنه، فعاد إلى قريته الأم بالجزائر على الرغم من الصعوبات التي واجهته عندما انطلق في مشروعه.
وبعد سنوات من الإخفاق نجح رشيد في تصنيع أجبان بمعايير سويسرية، ما جعل سفراء أوربيون يزورونه في منزله، وصفه السفير الفرنسي بـ “أفضل صانع جبنة في أفريقيا”، وتحرك سفير النمسا لأجله ليجلب له شراكات وعلاقات أوروبية، كما اكتسب ثقة عدة سفارات أوروبية بالجزائر، ليصبح رشيد، موردهم الرئيسي بالجبن لإقامة حفلاتهم وعزائمهم، بعد أن كانت تلك السفارات تتكلف عناء جلب الأجبان من بلدها الأصلي، ويطمح الآن إلى تطوير أجبان بخصائص “علاجية” فكانت بذلك مسيرة رشيد، قصة كفاح ثم نجاح، ومثلا ملهما للشباب في خلق الفرصة بدل انتظارها خاصة وما يعيشه الوطن العربي من ظروف اقتصادية صعبة.
عاش رشيد إبرزيان 15 سنة في منطقة “لا-غرييار” بأعالي جبال “الآلب” السويسرية، وهي معروفة بإنتاج الأجبان السويسرية التقليدية. إحتك رشيد بصانعي الأجبان، فاكتشف اهتمامه بهذا المجال، وسرعان ما تحول الاهتمام إلى شغف، فأصبح يحلم بتأسيس مجبنته الخاصة في وطنه الجزائر، و على الطريقة السويسرية الأصيلة.
رشيد إبرزيان، والذي كان مستشار إعلام آلي، كون صداقات مع سويسرين يمتلكون مجبنة تقليدية، و دأب على زيارتهم في كل عطلة نهاية أسبوع، ليتعلم منهم أسرار هذه المهنة، كما تحصل على تدريب في هذا المجال. و في العام 2006، قرر رشيد العودة إلى بلده الجزائر، ليستثمر خبراته في مجال صناعة الأجبان السويسرية، فانطلق في مشروعه بقرية “تامعسيت”، بأعالي مدينة تيزي-وزو، بإمكانات محدودة، و بعزيمة قوية.
يقول رشيد ” أحب دوما أن أنوه إلى أنني ابتدأت المشروع بقارورة غاز، و قدر، و و عاء. كما أخفقت عدة مرات في الحصول على جبن بالمواصفات المطلوبة، فكنت أتردد على سويسرا لأطلب استشارة أصدقائي السويسرين”، وأضاف متابعا” :كانت عندي إرادة قوية، ومعرفتي في المجال أعطتني الثقة بأنني سأنجح يوما ما…شيئا فشيئا، بدأت أتحصل على النتائج المرجوة”. إنطلق رشيد في المشروع لوحده، ثم قام بتوظيف عاملة، إلى أن استطاع توظيف المزيد من العمال، حيث استغرق المشروع 7 سنوات ليكتمل.
عندما شرع رشيد في تسويق منتوجه، استغرب الناس “العفن الفطري” الموجود على الجبن و ظنوا أنه منتهي الصلاحية، فواجه رشيد صعوبة في بيعه. لكن سرعان ما أقنعهم بأنها مواد طبيعية تدخل في صناعة الأجبان، و أنه على خلاف المصانع الحديثة، هو لا يستعمل إية إضافات كيماوية. إلى أن بدأت الطلبيات تتهاطل على رشيد للحصول على هذا المنتج النادر في السوق، خاصة بعد أن جربو مذاقه.
كتبت عدة صحف محلية وعالمية عن قصة رشيد، ما جعل عدة سفراء أوروبيين، على غرار سفير سويسرا، سفير ألمانيا، وسفير النمسا يزورنه في بيته وفي مجبنته الصغيرة ليتعرفوا به وليتذوقوا جبنته، فانبهروا بمنتوجه الذي يضاهي الجبن السويسري، وحتى أفضل جودة من الأجبان السويسرية المستوردة في الجزائر، فوصفه السفير الفرنسي اكزافييه-دريانكورت في تغريدة بأنه “أفضل صانع جبنة في أفريقيا”.
أعطت تلك الزيارت لمنتوج رشيد سمعة جيدة، كما أكسبته ثقة عدة سفارات أوربية بالجزائر، فأصبح رشيد موردهم الرئيسي والحصري بالجبن السويسري لإقامة حفلاتهم وعزائمهم والتي يبلغ عدد الضيوف فيها حتى ثلاثمئة شخص، بعد أن كانت تلك السفارات، تتكلف عناء شراء الأجبان من مواطنها الأصلية.
لم يكن سقف طموحات رشيد صنع الجبن السويسري بأيادي وألبان جزائرية فحسب، بل أبدى عزمه على تطوير جبن ذو خصائص “علاجية” من حليب الإبل، لما فيه من فوائد صحية. كما صرح رشيد، أنه أقام شراكة مع مزرعة لتربية الإبل والماعز والأغنام والواقعة في “جانيت” بعمق الصحراء الجزائرية، وأضاف ” اكتشفنا وجود العديد من الأعشاب العلاجية بتلك المنطقة وحين تأكلها الإبل تنتقل خصائصها العلاجية إلى لحومها و ألبانها”.
أعجب سفير النمسا بيتر-آلتسنر-ماكاي بذلك، فوعد رشيد بالتواصل مع المعاهد الأوربية خاصة النمساوية، لفحص شروط الشراكة وبدء الدراسات لتجسيد هذه الرؤيا، كما أعرب السفير عن إرادته في البحث عن شركاء وخبراء في هذا المجال في بلده النمسا، وحتى في كامل أوروبا، بهدف تمكين رشيد من تحقيق هذا الحلم، وأفاد في تصريح له ” تطوير هذه الشراكة سيعود بالنفع على كلى شعبينا”.
يتوجه رشيد بنيصحته إلى الشباب قائلا “في رأيي، المشاريع التي تواجه مصاعب وإخفاقات في البداية هي التي تنجح في الأخير، كما أرى طاقات هائلة في شباب اليوم وأنا متفائل منهم، لذلك أقول لكم، أيا كانت أفكاركم، تمسكوا بها واعملوا جاهدين من أجل تحقيقها، وسترونها تثمر يوما”.
بقلم: ياسين محمود، كاتب صحفي