
امبراطورية نقاوس للعصير والمشروبات.. من العالمية إلى التهديد بالغلق!!
يعيش مصنع نقاوس للعصير والمصبرات هذه الأيام، على وقع هزات ماليّة تُهدد إمبراطورتيه الناجحة التي حققت نجاحات على مدار 15 سنة، في ظل تواجد مالكها الخاص رهن الحبس، هذه الحالة حركت الاتحاد العام للعمال الجزائريين لتبني مطالب عُمالية ذقت ناقوس الخطر من تعرض المصنع للغلق، بعد أن ذاع صيته داخل الوطن وخارجه وأصبح علامة للتصدير.
ويُعد مصنع نقاوس، أحد أبرز وأقدم مصانع الصناعات التحويلية في الجزائر، الذي دخل طور الخدمة بداية ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن أعطى الرئيس الراحل هواري بومدين أوامر بإنجازه مطلع سبعينيات القرن الماضي، تماشيا مع توجهات الدولة في دعم الصناعات الغذائية التحويلية، وقد اختيرت منطقة نقاوس بولاية باتنة لتشييد المصنع لتوفرها على محيطات فلاحية واسعة للأشجار المثمرة، خاصة أشجار المشمش.
مصنع نقاوس، ومنذ انشائه مرّ بعدة مراحل هيكيلة، جعلت منه واحد من المصانع التي صمدت عكس وحدات أخرى للصناعات التحويلية والغذائية التي تلاشت بسبب مشاكل في التسيير وتقلبات السوق، ليفرض المصنع بذلك نفسه بفضل نوعية المنتوج ومقاييسه الذي تطور أكثر بعد أن شملته رياح الخصخصة سنة 2006، ورغم ما رافق عملية خصخصة المصنع من احتجاجات عماليّة، إلا أنّ المالك قد توصل لاتفاق يضمن حقوق العمال.
وعلى مدار سنوات، ساهم مصنع نقاوس بشكل بارز في امتصاص الفائض من الانتاج في شعبة الاشجار المثمرة، خاصة فاكهة المشمش، التي تُعتبر المادة الأولية الأساسيّة في تشكيل الكثير المشروبات والعصائر إلى جانب المصبرات، غير أنّ اختلالات تمظهرت من سنة إلى أخرى مسببة تراكمية من المشاكل خاصة في تسويق المُنتجات الفلاحية للمنطقة، أمر دفع بالكثير من الفلاحين إلى التخلي عن هذا النشاط، لتتقلص بذلك مساحات الأشجار المُثمرة في المنطقة.
ويقول مُراقبون من المنطقة، أن المشكلة تأزمت في أعقاب سيطرة الوسطاء على السوق، خاصة بعد أن أصبح المصنع يتعامل مع الوسطاء الذين يشترون المشمش من الفلاحين بأسعار متباينة لا تخضع لقانون العرض والطلب، ومن ثم بيعه للمصنع حسب ما يذره من فوائد على الوسطاء الذين لا علاقة لهم بالفلاحة والفلاح سوى جني الارباح على حساب تعب الفلاحين بالمنطقة،
علامة نقاوس التي فرضت نفسها في سوق العصائر والمصبرات منذ أربعين سنة، تعتمد على المحصول الفلاحي للمنطقة من الثمار التي يستخلص منها اللب، و استطاعت تطوير منتجات إضافية ، فبعد أن كانت تقتصر المنتجات على كميات محدودة لعصائر قارورات الزجاج، ومصبرات وحدة منعة أصبحت تصنع منتجات عبوات من نوع «الكانات» وعلب «الكرتون» بمذاقات وأشكال عدة، وهو ما يعتمد على مواد أساسية أخرى ناهيك عن اللب، يتم استيرادها من الخارج من زيوت أساسية وإضافات غذائية.
وتشكل المواد المستوردة أزيد من ستين بالمائة من المنتج، ففضلا عن استيراد الزيوت والمواد الأساسية من بلدان كالصين وإسبانيا والبرازيل، يتم أيضا استيراد الأغطية والزجاج من إسبانيا وتونس لافتقار السوق الوطنية لهذه المواد أو توفرها بنوعية غير مطابقة حسب العمال، وباتت منتجات نقاوس مرتبطة باستيراد مواد أساسية، بعد أن كانت في السنوات التي كان فيها المصنع تابعا لمجمع «إيناجوك» العمومي تعتمد على جلب المواد الأساسية من وحدات صناعية تابعة لذات المجمع، تلاشت فيما بعد، منها وحدة الشلف وغليزان لإنتاج المواد الأساسية للعصائر.
71 مليارا مقابل خوصصة مؤسسة قيمة مخزونها تتعدى 200 مليار
وقد طرحت أزمة مصنع نقاوس، التي طفت إلى السطح مؤخرا باحتجاج العمال، ودق الاتحاد العام للعمال الجزائريين الناقوس لخطر غلق المصنع، تساؤلات عن السبب أو الأسباب للأزمة المفاجئة، التي أعادت إلى أذهان عمال ما عاشه المصنع قبل سنوات عندما تمت خوصصته من القطاع العام إلى الخاص، حيث كان آنذاك المصنع في أوج ازدهاره يحقق أرباحا ورقم أعمال إيجابي، غير أنه وحسب ممثلي الاتحاد العام للعمال الجزائريين تم بيعه في صفقة غير متوازنة بعد أن بيع بقيمة 71 مليارا، في وقت كان مخزون المصنع لوحده في تلك الفترة يتجاوز 200 مليار، وقد بيع المصنع لمجمع «سيماغروف»، وهو المجمع الذي فتح رأسماله للشريك «ترافل»، قبل أن ينفرد مجمع معزوز سنة 2012 بملكية المصنع بعد انسحاب الشريكين «سما غروف» و»ترافل».
ولم ينكر العمال ولا الاتحاد العام للعمال الجزائريين خلال الاستطلاع الذي قمنا به في أعقاب الاحتجاج، التطور الذي حققه المصنع منذ خوصصته بدليل ارتفاع رقم أعماله وتطور وتنوع منتجاته عما كانت عليه في وقت مضى، وتوسيع دائرة تسويقه وطنيا ودوليا بعد حيازة المنتج على علامة إيزو، ما أهله للتصدير إلى دول في القارات الخمس، وهو ما انعكس آليا على مؤشر رقم الأعمال الذي قفز إلى أزيد من ألف مليار حسب مصادر مطلعة، فضلا عن رفع عدد المناصب و التي كانت قبل الخوصصة تقدر بـ 179 منصبا لترتفع تدريجيا إلى حوالي 900 منصب
وخلال استطلاعنا لآراء العمال، وحتى المواطنين بمنطقة نقاوس عن الأزمة الحاصلة في المصنع رصدنا اهتماما بالقضية عكسته تخوفات من دخول المصنع في نفق مظلم في ظل الغموض الذي يكتنف مصيره، خاصة وأن مالكه يتواجد رهن الحبس ولم يتم البت بعد في قضيته، وما رصدناه أيضا انقسام في الآراء بين متخوف من تحويل العلامة إلى منطقة أخرى، خاصة بعد فتح وحدة بخميس الخشنة لمنتجات نقاوس، وكذلك تحويل المصلحة التجارية والتسويقية للمصنع إلى إدارة مجمع المالك الخاص للمصنع بالدار البيضاء بالجزائر العاصمة، حيث يرى هؤلاء أن فتح وحدات تحمل علامة نقاوس بمناطق أخرى من الوطن غير منطقة الوحدة الأم بنقاوس يشكل تهديدا للمصنع، وتخوفوا من تلاشي العلامة الأصلية، وتحدثوا عن تطور المنتج تدريجيا، وتغير مواصفاته بسبب تقلبات عمليات اقتناء المادة الأولية التي يتم استيرادها من الخارج.
وعكس الفئة التي تتخوف من فتح وحدات وفروع لإنتاج علامة نقاوس، هناك من يرى في فتح وحدة أخرى لإنتاج العلامة أمرا طبيعيا ومنطقيا، وهو ما ذهب إليه كثيرون أشاروا إلى تعدد وحدات وفروع إنتاج علامات معروفة للمشروبات والعصائر، على غرار كوكاكولا وحمود بوعلام التي تتوفر على عدة وحدات بالوطن للإنتاج، دون أن يؤثر ذلك على العلامة أو تسويقها، وقال أحدهم بأن نقاوس من العلامات التي فرضت نفسها في السوق وطنيا ودوليا، وأنه ليس من السهل تسويق منتجها في دول مثل كندا تفرض معايير قبول تسويق المنتجات.
الأزمة بين تخوفات العمال وطمأنة الإدارة
ولَدت الأزمة الأخيرة بمصنع نقاوس للعصائر والمصبرات، تخوفات لدى العمال بسبب تراجع الإنتاج عما كان عليه، ما فرض ركون العمال إلى راحة إجبارية، وهو ما جعل الاتحاد العام للعمال الجزائريين يتحرك إزاء الوضع ، ممثلا في المكتب الإقليمي لناحية نقاوس، الذي رفع جملة من المطالب في أعقاب احتجاج العمال، وتبنى المطالب أيضا المجتمع المدني بالمنطقة من طرف أزيد من ثلاثين جمعية ومنظمة.
وعبَر اتحاد العمال في بيان له، عن أسفه لما وصفه بالوضعية المزرية التي آلت إليها مؤسسة نقاوس خلال الفترة الحالية، «فبعد أن كان مصنع نقاوس للمصبرات صرحا عالميا يصدر منتوجاته إلى الخارج ككندا والإمارات ودول إفريقية، آل به التسيير إلى شبه إغلاق كلي، فأصبح العامل يكاد يعمل يوما أو يومين أو يتم تشغيل وحدة لأسبوع فقط خلال شهر كامل من ضمن تسع وحدات ثم يتم ركون العمال إلى الراحة…».
وناشد الاتحاد الإقليمي للعمال الجزائريين لناحية نقاوس إلى جانب أزيد من ثلاثين جمعية ومنظمة في بيان مشترك، الحكومة التدخل حتى لا يتلاشى بريق المؤسسة الاقتصادية نقاوس الممتد لأربعين سنة، واعتبروا أن مؤسسة مصبرات نقاوس ستتحول من صرح اقتصادي، إلى مجرد وحدة إنتاجية بعد نقل كافة مراكز القرار والإدارة إلى الجزائر العاصمة بعد إنشاء إدارة مركزية.
واعتبرت جمعيات ومنظمات المجتمع المدني بنقاوس، أن المؤسسة الأم بالمدينة تتوفر على كافة الإمكانيات والمقومات لاحتضان الإدارة المركزية، بدل استحداثها من طرف مالكها بالجزائر العاصمة، منها توفر مبنى إداري مهيكل مكون من ثلاثة طوابق حديثة الإنجاز، بالإضافة لتوفرها على فندق لائق بجميع التجهيزات لاستقبال الضيوف
جريدة النصر الجزائرية: بتصرف